فلسفة العلم والمنهج في العلوم الشرعية مقاربة تأسيسية د. أسعد عبد الرزاق الأسدي
مقدمة :
يعد حقل فلسفة العلم ضمن مجال الفلسفة في شقها الأبستمولوجي غالبا، والذي يهتم بطبيعة العلوم وخصائصها النظرية عبر رؤية مكثفة من خارج العلم تتناول تاريخ العلم ومصادر معرفته وطبيعة نظرياته وخصائص اصطلاحاته وطبيعة البناءات المنهجية التي تحكمه..
والعلوم الانسانية لم تحظى منذ البدء بفلسفة تبحث في بنيتها, بل تأثرت بفلسفة العلم في العلوم الطبيعية، اذ كانت فلسفة العلم تعنى بالعلوم الطبيعية، ومن ثم وبعد ظهور العلوم الانسانية، تأثرت الأخيرة بفلسفة العلم، وقد واجهت فلسفة العلوم الانسانية بعض الصعوبات، بسبب كونها تدرس ظواهر متفردة وخفية، بمعنى ان موضوعات العلوم الانسانية كعلم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا من الموضوعات غير المشاهدة بالحس، ولا تخضع إلى الإحاطة المختبرية, وانما موصوفة من خلال الملاحظة المجملة لسلوك الفرد والجماعة، مما يتعسر الوقوف على الظاهرة كما يقف العلم التجريبي على الظاهرة في المختبر، ومن ناحية أخرى تمتاز موضوعات العلوم الانسانية بالتعقيد، لكونها متداخلة، ومتغيرة، وفق الاطار الزمكاني، حتى علوم اللغة منها، عصية على مناهج العلم التجريبي، اذن ثمة تأثر وتفاعل بين العلوم الانسانية وفلسفة العلم من جهة، وثمة تعقيد وابهام في اصل تكون فلسفة العلوم الانسانية، لأننا تارة ندرس علم الطبيعة أو علم الانسان، او علم الفيزياء، او علم الاجتماع..، وتارة أخرى ندرس علم العلم، وهو مساحة للتفكير من خارج العلم، وفي مناهج العلم وظواهره ومشكلاته العامة، والأهم من ذلك التفكير في قيمته..
وقد تطورت فلسفة العلم من الوصف الى النقد من خلال تحول تعريفات فلسفة العلم وتطور مفهومها، فبعد أن كانت فلسفة العلم تنحو منحى وصفيا, فقد أصبحت تمارس النقد والتحليل, وهو ما يفضي إلى أن تكون مؤثرة في تطور العلوم وتصحيح بعض مساراتها.
مشكلة البحث:
من الاسباب التي يُعزى إليها تطور العلوم الطبيعية والانسانية في عموم المعرفة البشرية، هو التقدم في مجال فلسفة العلم والمنهج، ومع قدم المعارف الاسلامية وجذورها الممتدة الى ما يزيد على العشرة قرون، فإنها متأخرة في مجال فلسفة العلم والمنهج، بنحو أثر في تطورها وتقدمها، وكثير من الاشكاليات المعرفية في العلوم الشرعية كان لها سبيل الى الحل والتبدد لولا العزوف عن ترتيب وتنظيم معارفنا، فمثلا قد أخذ التخصص مأخذه من الأذهان، حتى أصبح المتخصص بالتفسير لا يمكنه اقتحام تخصص الفقه وأصوله مثلا، وهو ما أصاب المنظومة المعرفية بحالة من الشلل والجمود.
تساؤلات البحث: من ابرز تساؤلات البحث:
كيف تؤثر فلسفة العلم والمنهج في تطور علوم الشريعة الاسلامية؟
وهل تكفي محاكاة العلوم الانسانية في فلسفتها ومنهجها، أم ينبغي اكتشاف بعض الخصوصيات المعرفية في العلوم الشرعية؟
الى أي مدى يمكن الجمع بين فلسفة العلم والمنهج في مجال واحد؟
كيف يمكن المقاربة مع بعض مسائل المنهج في اطار أصول الفقه وغيره من علوم الشريعة؟
هل يمكن تحليل عناصر العلوم الشرعية وفرزها بحيث تشكل خارطة ذهنية تساعد على الفهم الكلي للعلوم الشرعية.
هدف البحث:
يهدف البحث الى عقد مقاربة تأسيسية لمجال يجمع فلسفة العلم والمنهج على حد سواء، كما يجمع العلوم الشرعية في إطار منهجي متكامل، يعين المتخصصين في العلوم الشرعية المتفرقة الى مرونة التواصل العلمي فيما بينهم، فضلا عن تنظيم أفكار الجماعة العلمية داخل منظومة العلوم الشرعية.
طبيعة الدراسات السابقة:
ان جل الدراسات السابقة كانت على انحاء:
1- دراسات متخصصة في مجال دون مجال, مثل فلسفة الفقه, أو فلسفة أصول الفقه, وهي محدودة نسبيا.
2- ان معظم الدراسات السابقة لم تحدد نطاق الدراسة بالدقة التي يمكن معها تحديد معالم فلسفة العلوم الشرعية.
3- كثير من تلك الدراسات اهتمت بمسألة المنهج فقط على نحو وصفي يميل الى التصنيف والتبويب وإعادة هيكلة للعلم.
المبحث الأول: مدخل تمهيدي ومقدمات أولية
بالنظر الى سعة الموضوع سوف يتم الاقتصار على المفاهيم المهمة التي تؤسس لمدخل البحث, وفي تصورنا انها يمكن أن تمهد كمدخل لموضوع البحث الذي يتداخل كثيرا مع منظومات مختلفة في التفكير المنهجي من جهة, والفلسفي من جهة والديني من جهة ثالثة.
المطلب الاول: فلسفة العلم والمنهج، المفهوم ونقطة الالتقاء
ثمة تداخل بين علم المناهج (ميثودولوجيا) وفلسفة العلم, وفيه اتجاهان, يميل أحدهما إلى عدم التفريق بينهما, وهو ما نرجحه على اعتبار التراكم والتكامل بين المجالين, فيما يميل الاتجاه الآخر إلى التفريق واعتبار أن المناهج علم مستقل تتناوله فلسفة العلم كما تتناول العلوم الأخرى, لأن علم المناهج قد يجيب عن ماهية المنهج المتبع في أي حقل أو مجال, لكن فلسفة العلم قد تجيب عن قيمة ذلك المنهج الذي حدده مسبقا علم المناهج, لذا فإن رؤية فلسفة العلم لعلم المناهج توافق رؤيتها لبقية العلوم.
المنهج كمصطلح فلسفي على وجه الخصوص يعني: وسيلة المعرفة، وطريقة الخروج بالنتائج الفعلية من الموضوع المطروح للدراسة، والطريقة المتبعة في دراسة موضوع ً ما للتوصل إلى قانون أو نتائج أو محصلة عامة .
المنهج العلمي هو آية العلم، والعلم آيته، وقد يُقال في تعريف العلم إنه: ضربٌ من المعرفة الموضوعية المختبرة، نصل إليها عن طريق المنهج العلمي التجريبي، وكما يقول جون كيمني: (تعريف العلم على أساس منهجه، أمرٌ يطابق العادات المألوفة في كل حالة لا يكون فيها خلاف؛ لهذا السبب سأستعمل كلمة علم للدلالة على المعرفة، التي يُصار إلى جميعها بواسطة المنهج العلمي) . ولكن يسهل ملاحظة أن تعريف العلم على أساس منهجه فيه دوران؛ إذ يمكن تعريف المنهج على أساس العلم، فنقول إنه طريقة البحث والتفكير الخاصة بالعلم. والحق أن العلاقة بين العلم ومنهجه علاقة وثقى، قد لا تترك مسافة كافية بينهما، أو يسمح بتعريف أحدهما بالآخر. التقنين منطقي يمكن أن يفتح الباب للخروج من هذا الدوران. وقد اتضح بأن العلم منظومة ممنهجة، والمطلوب الآن تعريف المنهج العلمي .
ينتقد (فييرابند) فكرة وجود منهج علمي ثابت، ويطرح أسئلة فلسفية حول شرعية "المنهجية الموحدة , وهذا بالتأكيد ما يدعو إلى نفس التساؤلات حول العلوم الشرعية, بين أن تكون محكومة بنفس المنهج العلمي الثابت, أو يكون لها منهجها العلمي الخاص, ولا يمكن إغفال الخصوصية المعرفية التي تتسم بها العلوم الشرعية, كما سيتضح.
ناقش (كلود برنار، 1878م)، هذه الإشكالية بشكل حاسم. إذ رأى أن المناهج تتأتى من جزئيات وتفاصيل العلم. ولا يمكن أن تدرس نظريًّا كقواعد عامة، “إنما تتكون في داخل المعمل الذي هو معبد العلم الحقيقي، وإبان الاتصال المباشر بالوقائع والتجارب العملية” , وهذا يتناسب كثيرا مع واقع العلوم التجريبية لكنه قريب نسبيا من العلوم الانسانية ايضا.
وهنا يرز التداخل بين العلم ومناهجها, اذ تولد المناهج من رحم سياق البحث والتفكير داخل العلم, إن جوهر مفهوم المنهج العلمي يتلخص في: أسلوب التفكير العلمي وطريقة سير العلماء في عملهم أو في بحوثهم، وسنرى الآن أن هذا أبعد ما يكون عن تحصيل الحاصل، كما قد يبدو للوهلة الأولى.. جعلت الفلسفة/أم العلوم من «فلسفة العلوم» أهم فروع الفلسفة المعاصرة، والأكثر تجسيدًا وتجريدًا لروح العصر، الحاملة لأبرز الإشكاليات المعرفية الشاغلة في الحقبة الراهنة. وعلم مناهج البحث أو الميثودولوجيا؛ أي نظرية المنهج العلمي في صدر مباحث فلسفة العلوم، بل عمادها وعمودها الفقري .
ان فلسفة العلم ذات علاقة جدلية بالمنهج, المنهج يعين فلسفة العلم على اكتشاف العلم, فلسفة العلم تعين المنهج على اعادة تنظيم العلم, لذلك أمكننا القول بأن كلا المجالين متسقان باتجاه بناء وتنظيم المعرفة العلمية.
إن فلسفة العلوم الشرعية تنظر أيضا، في تداخل العلوم وتقاطعها, من حيث بناء الأسس، ومنطلقات التفكير في كل علم مثلا, ينطلق التفكير الفقهي من الجزئيات والمسائل، انطلاقا نحو الدليل الشرعي، في حين ينطلق التفكير في علم الكلام من خلال المسائل الذهنية المجردة إلى الواقع الخارجي، فيما ينطلق التصور، والتفكير في العلوم والاداتية, من الحاجة، ومن موقف الاستجابة للأشكال، إلى موقف المعالجة والحسم.
المطلب الثاني: فلسفة العلم بين نطاقين:
ظهر مجال فلسفة العلم في منتصف القرن التاسع عشر، بعد أن أثيرت تساؤلات حول العلم من حيث تاريخه وطبيعة قضاياه، وما المعيار الذي نحكم في ضوءه على أن القضية او النظرية علمية او غير علمية، (ظ: يمنى الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، عالم المعرفة) وردت تعريفات كثيرة جدا، وعليه لابد من بيان أن الفلسفة على أنحاء ثلاث، فلسفة الوجود (الانطولوجيا)، وفلسفة المعرفة (الابستمولوجيا)، وفلسفة القيم والجمال(الاكسلوجيا)، وهنا ننبه الى مسألة، أن أغلب من بحث في فلسفة العلم، لم يتفقوا على تحديد نطاقها، بل اختلفوا في مضمونها، وقسم كبير يرى أن فلسفة العلم هي التي تختص بالمعرفة فحسب، اي ما يعبر عنه بالأبستمولوجيا، فيما توجد رؤية أخرى مع توسعة النطاق ليشمل انحاء الفلسفة الثلاث، وتطبيقها على العلم، وهو ما نرجحه, اذ لا تنفك الفلسفة بأنحاءها الثلاث عن البحث في طبيعة العلم وخصائص وجوده, وطبيعة قضاياه ومسائله, وهو ما يتعلق بفلسفة الوجود, كذلك لا تنفك الفلسفة من تقييم واختبار مخرجات العلوم وما تؤول إليه من وقائع, ومدى انسجام تلك المخرجات والوقائع مع القيم والمقتضيات الأخلاقية, وفضلا عن ذلك كله, تعمل الفلسفة على تنظيم الاسس المعرفية للعلوم ومصادرها, وطرق الاستدلال فيها.
المطلب الثالث: وظيفة فلسفة العلم في نطاق العلوم الشرعية
في معرض تناول فلسفة العلوم الدينية، ينبغي ملاحظة المحاولات التي ركزت على بعض من تلك العلوم، كما في (فلسفة الفقه) و(فلسفة أصول الفقه)، وفلسفة الدين كمجال أوسع قد يتداخل بنسبة عالية مع ما تتم المحاولة اليه من اكتشاف ملامح لفلسفة العلوم الدينية، اذ تعد فلسفة الدين مجالا واسعا ومفتوحا على فروع الفلسفة (اللاهوت، الابستمولوجيا، الوجود، القيم والجمال)، في حين تكاد تقتصر فلسفة العلوم الدينية على (المجال المعرفي الابستيمي)، من دون التركيز على تناول المجال الوجودي الانطولوجي او القيمي الاكسيولوجي، ومن هنا تبرز الجدة في تناول فلسفة العلوم الدينية بنحو من الاستقلال عن الفروع الاخرى للفلسفة من جهة، والشمول لجل تخصصات العلوم الدينية من جهة أخرى.
لذا يمكن –بنحو أولي, وبحدود تصورنا- تحديد أهداف عدة لفلسفة العلوم الدينية على وفق الفقرات:
1- تحديد طبيعة مصادر المعرفة في العلوم الدينية.
2- تحديد أسس بناء النظرية العلمية في حقل الاختصاص الديني.
3- تحديد طبيعة مناهج المعرفة والفهم في العلوم الدينية, وثمة خلاف حول هذا الهدف, وهل يعد علم المناهج علما مستقلا, أم ممكن أن ينضوي تحت فلسفة العلم..
4- محاولة تحليل اشكالية الذاتي والموضوعي في البحث المعرفي في العلوم الدينية.
5-تحديد الذاتي والعرضي في البحث المعرفي في العلوم الدينية.
6- تحديد أسس التعاطي مع المعارف الغيبية وتقنين توظيفها في المسارات البحثية بما يتناسب مع مقتضيات البحث العلمي.
7- محاولة اكتشاف وتحديد المرجعيات المعرفية والبرادايم المعرفي من خلال تحديد النماذج الارشادية في مختلف تخصصات المعرفة الدينية.
8- محاولة تحديد قيمة المعرفة التي ينتجها العقل الديني، ومدى ثباتها أو اطلاقها، وتحديد مديات التفاوت فيها.
وهذه الفقرات يمكن عدّها أهداف أولية لفلسفة العلوم الدينية، الى حين الاكتمال والنضج حتى تتم معالجة التداخل فيما بينها، أو الاضافة والحذف لبعض منها, لأن مجال الفلسفة أوسع من مجال العلم, ومديات البحث والتفكير في الفلسفة أبعد منها في العلوم, فغالبا ما يكون العلم محددا بأسيجة من النظريات والقواعد التي تشكل نسقا منسجما له اصطلاحاته وحدوده المنهجية, في حين تطرق الفلسفة جميع أبواب المعرفة فيما يخض العلم, فهي تثير التساؤلات وتقترح الإجابات حول كل علم من العلوم الطبيعة أو الإنسانية.
واهمية البحث في فلسفة العلوم تكمن في بيان معيار تمييز العلوم الحقيقية عن الزائفة, وثمة ما يتم إلحاقه بالعلوم الشرعية مع كونه يخلو من مقومات العلم الحقيقي, وتتضح المقومات من خلال تحليل البناء والنسق الذي تتألف منه العلوم الشرعية.
المطلب الرابع: الخصوصية المعرفية لفلسفة العلوم الشرعية
ربما لا يحظى عدّ (العلوم الدينية من جملة العلوم الانسانية) بمقبولية لدى كثير من الدارسين والمتخصصين, إذ تمثل المعارف الدينية حقلا مفارقا في بعض جوانبه، لما يختص به من عناصر تتصل بالغيب، مما يشكل عائقا أمام التفكير المنهجي الذي يفترض التعاطي مع المعارف على أساس كونها معارف بشرية تتسم بطابع من النسبية والتحول وتخضع أيضا للنقد والتغيير..، لذا فإن تناول فلسفة العلوم الدينية يحيل بالضرورة الى تحديد الفاصل المنهجي بين المعارف الغيبية من جهة، وتجليات الفهم البشري من جهة أخرى، وهذا ما يؤول الى إعمال نظر دقيق في فرز ما هو مقدس عما هو أدنى منه، لتتم عملية التنظيم المنهجي بما لا يتداخل مع المعطى الغيبي يؤدي الى مفارقات معرفية غير منتجة.
ويمكن إجمال خصائص العلوم الدينية بالفقرات:
1- وجود معاني مقدسة ومفارقة، غير قابلة لأن تكون محلا للتفكير والتعقل، مثل البحث في حقيقة الذات الإلهية وما يتفرع عنها, كما يذكر الرازي مثلا: "إن البحث عن حقيقة الذات الإلهية وصفاته المطلقة يتجاوز إمكانيات العقل البشري، إذ إن العلم في هذا المجال يكتفي بالإثبات النسبي اعتمادًا على النص والعقل معًا"
2- وجود نص الديني قطعي الصدور، غير قابل للبحث في صدق صدوره عن جهة غيبية عليا، والا سوف يكون البحث حينئذ في مجال فلسفة الدين, كما يؤكد ذلك السيد الصدر: "النصوص الشرعية المعتبرة قبلية في ذاتها، ولا يمكن فتح باب البحث في مصدرها ضمن علم الأصول، وإلا تحول النقاش فوريًّا إلى حقل فلسفة الدين"
3- وجود تفاوت في النماذج التي تفسر النص الديني، فمرتبة السنة المبينة أعلى من مرتبة فهم العلماء، ولكل منهما طريقة مختلفة في التعامل, ويذكر الشرفي أن: "ترتيب درجات النقل يكشف عن الفارق بين سلطة الحديث والنص الفهمي للبشر، فالسنة وحي أمين، بينما فهم العلماء اجتهاد بشري قابل للخطأ"
4- مديات التحول والتغير في المعارف الدينية طويلة الأمد، قد تحتاج الى قرن من الزمن لكي تبين وتنكشف, وعامل التراكم المعرفي مؤثر فاعل في توجيه المعارف الدينية, ويشير أركون إلى ذلك بقوله: "معارفنا الدينية تشهد تحولات عميقة بفعل تراكمات معرفية طويلة، ولا يندفع المجتمع نحو فهم جديد إلا بعد أجيال كاملة"
5- التردد في طرح الرؤى بسبب ضغط العامل الإيماني على عامل التفكر والتأمل العقلي، مما يفضي إلى التأني في الفهم وطرح الأفكار, كما يؤكد ذلك حسن حنفي: يُهرس العقل أحيانًا بفعل حماية الإيمان من الشك، مما يجعل الفقيه والإصلاحي يتحلىان بروح المحافظة والتأنّي قبل الإدلاء برأيه" .
6- ثنائية التنظير والتطبيق، العلم والعمل، في جل المعارف الدينية، مما يؤدي إلى تعدد مناهج الفهم بين ما هو نظري وما هو مرتبط بالواقع العملي, يذكر طه عبد الرحمن: "الفهم الشرعي ليس نظرية جامدة، بل رسم طريق للممارسة، وهي ثنائية لا تنفصل: العلم والعمل"
7- ثنائية الموضوع في العلوم الدينية التي تدور حول محور المقدس من جهة، والانسان من جهة أخرى، مما يؤثر في صياغة التصورات التي تحاول أن تكون في حالة توازن بين مقتضيات وجود المقدس من جهة، ومقتضيات وجود الإنسان من جهة أخرى.
8- وجود علوم آلية تمثل وسائل وأدوات في العلوم الدينية كعلم المنطق والفلسفة والنحو والتاريخ وغيرها من الحقول المعرفية التي يمكن أن تؤدي وظيفة العلوم الخادمة.
9- وجود المفاهيم والرؤى الكلية من جهة والجزئية منها من جهة أخرى, مما يجعل التفكير في العلوم الشرعية على مستويين في الغالب.
المطلب الخامس: من فلسفة الدين إلى فلسفة علوم الدين:
تتناول فلسفة الدين كل ما يرتبط بالدين من خلال رؤية من خارج الدين, تحاول أن تسلط النظر في مديات فهم الدين, من ناحية أصل ونشوء الدين, إلى قيمة عناصر التدين, والهدف من الدين, مما يشير إلى ارتباط خفي مع موضوعات علم الكلام الجديد, وبالتالي فإن فلسفة الدين أرحب وأوسع من أي علم ديني, ويكون البحث في فلسفة الدين ضمن مختلف فروع الفلسفة سواء الوجود أو المعرفة او الجمال والقيم من ناحية معرفية شاملة لما هو علمي أو إيماني، من دون الاقتصار على فلسفة العلم الديني، إذ تختلف زوايا النظر والتفكير في فلسفة الدين عنها في فلسفة علوم الدين، فالأخيرة تعنى بالجانب البنائي الداخلي للعلوم الدينية بنحو من إعادة تنظيم وإنتاج للمعرفة العلمية الدينية.
وفيما نعتقد أن فلسفة العلوم الدينية لم يتم الاشتغال عليها بنحو جاد, سوى ما يتعلق بفلسفة الفقه, أو فلسفة أصول الفقه, وأما السعي إلى اكتشاف أو تأسيس فلسفة العلوم الدينية بنحو عام سوف يؤدي وظيفتين في آن واحد:
الأولى: سوف تتشكل لدى من يتناول فلسفة العلوم الدينية رؤية جاهزة عن علم المناهج الدينية, إذ لا يمكن التفكير في فلسفة العلوم الدينية من دون تحديد عناصر العلوم الدينية من الناحية المنهجية وكيف يتكون المصطلح, وتحديد مديات النقد, وأصوله, والمتغيرات المنهجية والمفاهيمية التي تتضمنها العلوم الدينية.
الثانية: تتمثل في وظيفة فلسفة العلم في ذاتها, من خلال تقييم التصورات العلمية والمعرفية التي تم بناءها, وممارسة النقد في بعض نواحيها, وإعادة انتاج المعارف في العلوم الدينية من خلال ما توفره فلسفة العلم من إضاءات حول المنتج البشري في المعارف والعلوم.
ان الفائدة التي يمكن أن تشكل محورا أساسا في فلسفة العلوم الدينية هي عملية ادراك الأنموذج العلمي (البرادايم), وهي عملية لا يوفرها العلم, بل فلسفة العم, ولا يمكن التجديد في أي علم مالم يتم إدراك البراديم الذي يحدد المعرفة ويوجهها من دون أن تتم ملاحظته في الغالب, فانسحاب قدسية الوحي على التفسيرات والتأويلات التي يقدمها البشر لمضامين الوحي هو نوع من سلطة الأنموذج العلمي, فما نطلع عليه من تأويل متداخل مع المضمون المتعالي, وفك التداخل لا يتم إلا من خلال إدراك أن المعرفة الوحيانية تمثل أنموذج يحكم الفهم.
على أنه تجدر الإشارة إلى أن حقل أصول الفقه يعد من أهم الحقول في العلوم الدينية التي من شأنها أن تعين على اكتشاف الخرائط المنهجية للعلوم الدينية, وربما يصح أن نطلق على أصول الفقه بـ(علم منهج العلوم الدينية), لكونه يؤسس إلى قواعد قراءة النص الديني من جهة, وترتيب أولويات الأخذ بالأدلة النصية عبر منظومة (القطع والظن), وهو بهذه الحال ممكن أن يكون مؤهلا للتفاعل مع القضايا العقدية أيضا, إذا ما تمت ملاحظة الجانب التنظيمي فيه, من ناحية الاختزال الاصطلاحي, والقواعد التي تنظم عملية فهم النصوص الدينية, لذا يمكن البدء فيه لتأسيس أرضية مناسبة للبحث في فلسفة العلوم الدينية, لأن من اجلى وظائف العلم الديني هو فهم معطيات الوحي, أذ يتعامل العقل العلمي الديني مع ثلاثية: (النص, الواقع, الانسان), وهو ما يحيل إلى ضرورة منهجة التفكير في ذلك الحيز, ومن ثم تشتغل فلسفة العلم الديني على تقييم الممارسة برمتها, بعد إثارة التساؤلات واقتراح الإجابات.
ولا مبالغة في القول إن أهم إنجازات تراثنا تأتَّت في مجال المنهج والإنجازات المنهجية وبخلاف مناهج المتكلمين الجدلية، ومناهج الفلسفة الإسلامية الأفلاطونية المحدثة من ناحية، والبرهانية من الناحية الأخرى، ومناهج المتصوفة الذوقية العرفانية، ومن قبل ومن بعد مناهج العلوم الرياضية والتجريبية عند العرب، التي كانت المقددمة الشرطية المفضية منطقيٍّا وتاريخيٍّا وجغرافيٍّا إلى مرحلة العلم الحديث في أوروبا، بخلاف كل هذا الرصيد المنهجي يتقدم علم أصول الفقه بموقعه الفريد في منظومة علومنا النقلية/العقلية، لنجده في جوهره لا يعدو أن يكون علما ملناهج البحث.
المبحث الثاني: مقاربة تأسيسية لفلسفة العلوم الشرعية
ثمة مداخل لدى علماء الشريعة تعين على بلورة الرؤية في التأسيس لفلسفة العلوم الشرعية, ابرزها ما أفرزه البحث الأصولي من تنويع القضايا, والبحث في هويتها المعرفية, ويمكن تناول ذلك عبر المطالب الآتية:
المطلب الأول: المقاربة الأصولية لفلسفة العلم والمنهج:
في اطار علم الاصول تم بحث موضوع العلم ومسائله، ضمن محاولة تحديد ما يدخل ضمنه وما يخرج، وهو ما يمكن ان نطلق عليه معيار ما هو من علم الأصول وماهو ليس منه، وفائدة ذلك في التمييز بين قضايا علم الأصول وقضايا علم الفقه، والفرز بين العلمين يفيد في هوية ما يبحث في كليهما، وله مقتضياته من حيث تحديد المتخصص في كل من العلمين, بل الأهم من ذلك هو تمايز العلوم كما صرحوا مرارا وتكرارا.
إن هذه المسألة بكل تفاصيلها تسهم في خلق وعي منهجي ونضح معرفي ابستمولوجي، لكن ليس من الضرورة إعمامه على جل العلوم الشرعية، ذلك أن العلوم الشرعية في فلسفتها يمكن أن تنتظم تحت بناء منهجي أعم، نحاول بيانه من خلال تحديد الهيكل المعرفي الذي يتسق مع الاطار الكلي للعلوم الشرعية بما تتضمنه من خصوصيات تمت الإشارة اليها سلفا.
أولا: البحث في معيار تمايز العلوم:
أن القدماء من الأصوليين قد تسالموا على أمرين:
الأول: أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات.
الثاني: أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، ولما كان علم الأصول أيضا علما برأسه، تصدى القوم لبيان موضوعه، فقال بعضهم: إن موضوعه الأدلة الأربعة،
وقد خالف السيد محمد كاظم الخراساني القدماء وذكر ما حاصله: إن تمايز العلوم بتمايز الاغراض الباعثة على جمع المتشتتات وتسميتها علما واحدا، لا الموضوعات، وإلا لكان كل باب، بل كل مسألة علما برأسه .
ومحل الاختلاف هو كون تمايز العلوم بموضوعاتها أم بأغراضها ووظائفها, وجرت مناقشات أصولية كثيرة حول تلك المسائل, لكن الجمع بينها يحتاج إلى نظر كلي للغرض من علم الأصول, وتحديد الغرض الكلي أيضا يحتاج إلى صياغة محددة, ولنا ان نبين توسط علم الاصول بين النص التشريعي والفهم الفقهي, أو هو الوسط الناقل والحامل لقواعد ومعايير الفهم, بالنحو الكلي الذي يشمل ضوابط الحجية من حيث الصدور ومن حيث الدلالة, على ان علمي الحديث والرجال من العلوم التي تصلح ان تكون مقدمات لعلم الأصول.
وإذا كانت الغاية من ذلك النقاش هو تمايز العلوم فما المشكل في تمايزها من خلال أغراضها ووظائفها, أما محاولة تحديد موضوعاتها المختلفة والمتشتتة فلا طائل وراءه سوى الجهد والاختلاف.
ثانيا: المبادئ التصورية والتصديقية للعلم عند الأصوليين:
ان لكل علم مبادئ تصورية، ومبادي تصديقية, والمراد من المبادئ التصورية هو ما يتوقف عليه تصور الموضوع واجزائه وجزئياته وتصور المحمول كذلك. والمراد من المبادئ التصديقية هو مما يتوقف عليه التصديق والاذعان بنسبة المحمول إلى الموضوع .
في مبادئ العلم تدرس القضايا التي يتوقف البحث في ذلك العلم عليها، فمبادئ العلم هي التصورات والتصديقات التي إذا لم يسلم بها لا يمكن التصديق بمباحث العلم, ويذكر بأن مبادئ العلم هي التي يتوقف تصديق العلم أو تصديق مسائل العلم عليها، بالطبع شيئاً فشيئاً تحولت مبادئ العلوم إلى المبادئ التصديقية، وفرضوا قسم المبادئ التصورية ” مصطلحات للعلم”.
قال الآملي في تعليقته على شرح المنظومة : (وقد عُرِّف المبادئ في المنطق بما يبتني عليه المسائل، وقُسِّم إلى المبادئ التصوُّرية وهي المفيدة لتصوُّرات أطرافها، مثل حدود الموضوعات وحدود أجزائها وأعراضها، والتصديقية وهي المفيدة للتصديقات المأخوذة في دلائلها كمقدّماتٍ بيّنة بنفسها أو مأخوذة على وجه الإذعان ، مبينّة في علم أعلى ) .
ويلاحظ السيد الحيدري على ما أوضحه الآملي بقوله : (لكنّ هذا التعريف الذي ذكره الآملي للمبادئ أغفل نقطة مهمة جدّاً، وهي أنّ المبادئ - أعمّ من كونها تصوّرية أو تصديقية - لا تختصّ بما يبتني عليه مسائل العلم من معرفة حدود موضوعاتها والتصديق بوجودها، وإنّما لدينا مبادئ لنفس موضوع العلم ومبادئ أخرى لموضوعات مسائله, فالفلسفة - مثلاً - موضوعها «الموجود بما هو موجود» والمبادئ يبحث فيها عن تصوّر ماهيّته ومفهومه والتصديق بوجوده وثبوته في الخارج، كذلك الحال في موضوعات مسائل العلم ، فإنّك تقول : «الموجود إمّا واجب وإمّا ممكن، والممكن إمّا جوهر وإمّا عرض» ، و«الإمكان» في هذه الجملة الأخيرة أحد موضوعات المسائل الفلسفية, فالبحث عن المراد من مفهومه وإثبات المقصود من حقيقته من المبادئ التصوّرية، كما أنّ التماس الدليل على إثبات وجوده في الخارج من المبادئ التصديقية, إذن المبادئ على نحوين :
أوّلها : مبادئ موضوع نفس العلم ، الذي هو الموجود بما هو موجود في الفلسفة .
وثانيها : مبادئ الموضوعات المختصّة بكلّ مسألة من مسائل العلم ، نظير الوجوب والإمكان والعلّة والمعلول والجوهر والعرض ، وغيرها من الموضوعات المرتبطة بالمسائل الفلسفية.
ويذكر السيد محمد علي الكاظمي في الفوائد عن المبادئ: (ثم إن البحث عن المبادئ بأقسامها، وليس من مباحث العلم، بل كان حقها ان تذكر في علم اخر، مما كانت المبادئ من عوارض موضوعه، الا انه جرت سيرة أرباب العلوم على ذكر مبادئ كل علم في نفس ذلك العلم، لعدم تدوينها في علم آخر) , اذ يشير الى ان بحث هذه القضايا يكون من خارج العلم لا من داخله.
ان علوم الحديث مثلا, تتضمن مفاهيم مثل مصطلح الحديث، وقواعد مثل ضوابط، ومعايير الصحة والضعف، ونظريات مثل نظرية جبر الاسانيد.
فلسفة علم الحديث لا يمكن أن تخلو من تاريخه، ذلك أن طبيعة علم الحديث من سنخ طبيعة علم التاريخ، مما يفضي الى الأثر الجوهري للتاريخ في علوم الحديث، على سبيل المثال ما يبحث عن تنامي الحديث وزيادة عدده بعد عصر الرسول (ص)، وتعليل هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون من داخل علوم الحديث، بل من خارجه، وربما يلحق به إذا ما تطور وتراكم،
ان ما يعد من فلسفة العلم قد يدخل في العلم عبر التراكم والتناول، حتى يصبح من اهتمامات العلم، ويمكن أن يتسع العلم عبر الزمن بفضل فلسفة العلم.
وتندرج تحت المفاهيم كل ما يتعلق بالمبادئ التصورية التي تتكون من قسمين:
المبادئ التصورية الخارجية, فمثلاً تعتبر المعارف العقلية الصرفة التي يُستنتج بعضها من البعض الآخر – ضمن مرجعية العقل المجرد ذاته - من البعديات، وفي الوقت ذاته يمكن أن تكون من القبليات عندما تُتخذ كمرجع بالنسبة للحقول المعرفية الأخرى، كالدينية والواقعية والحدسية أو الكشفية. ومن ذلك إنه في الفلسفة التقليدية تتصف قواعد الإمكان الأشرف والصدور وتشاكل المراتب وغيرها بأنها من البعديات بالنسبة إلى الحقل الفلسفي المجرد ذاته.
ثالثا: البحث في موضوع العلم:
جرى بحث موضوع علم الأصول ومحاولة تحديد الفارق مع موضوع علم الفقه وقيل أن الفقه محوره التكليف والاصول محوره الدليل على التكليف , وقد ذكر المحقق الأصفهاني الأشارة إلى نكتتين النكتة الأولى بين أن علم الأصول لا يوجد له موضوع واحد وهذا خير شاهد ودليل على أن علم الأصول ليس علماً بالمعنى الفني والمصطلح للعلم، لأنه من أهم شواخص العلم بالمعنى الفني أن يكون له موضوع واحد، وباقي الأمور تترتب على ذلك فإذا كان الموضوع واحداً فالمنهج يكون واحد، ويكون التمايز بالموضوعات وغير ذلك من الآثار فإذا انتفى أن يكون للعلم موضوع واحد فبطبيعة الحال هل يوجد هناك منهج واحد أو لا يوجد، هل أن التمايز يكون بالموضوعات أو لا يكون؟ لا يكون، هل أن البحث عن العوارض الذاتية، لا، وهكذا. هذه هي النكتة الأولى.
النكتة الثانية المهمة التي أشار إليها، طبعاً هذه النكتة وهي أنه لا يوجد موضوع واحد لعلم الاصول هنا يأتي هذا التساؤل إذن بماذا تتمايز مجموعة هذه المسائل عن مجموعات أخرى من المسائل؟ الجواب: بالغرض المترتب عليها. فيؤكد السيد الحيدري ان تمايز علم الأصول عن غيره يكون بالأغراض، وهذا ما أشار إليه المحقق الطوسي إذ أشار إلى هذه القاعدة أنه تارة يكون التمايز بين العلوم بحسب الموضوعات وأخرى إذا وجد علم وتوجد فيه موضوعات متعددة فإن التمايز يكون بحسب الأغراض المترتبة على تلك المسائل، قال: (والأشياء الكثيرة قد تكون موضوعات لعلم واحد) فهي أشياء كثيرة ولكنها تكون موضوعات لعلم واحد، أو في نجال خاص كما الذي نحن بصدده من التاسيس له في فلسفة العلوم الشرعية.
المبادئ التصورية الداخلية, هي المبادئ التي تشكل بنية التفكير ذاته، أي المبادئ التي ينبثق عنها التصور العقلي الأولي للمعرفة قبل أي تفاعل مع الموضوعات الخارجية, وهي تُعَدّ بمثابة شروط قبلية لحدوث الإدراك، وتنتمي إلى مستوى أعمق في البناء المعرفي.
ما طُرح في هذا النص يتناول الاختلاف حول موضوع علم أصول الفقه وحدوده المنهجية والمعرفية، ويستعرض نقطتين أساسيتين (نكتتين) أشار إليهما المحقق الأصفهاني، وعلق عليهما السيد كمال الحيدري في إطار تأسيس فلسفة العلوم الشرعية يلاحظ فيه:
أن الفقه: محوره الأساسي هو التكليف الشرعي، أي ماذا يجب أو يجوز أو يحرم على المكلف.
أصول الفقه: محوره هو الدليل على التكليف، أي القواعد التي نستخدمها لاستنباط الحكم الشرعي. مثال: في الفقه تبحث: هل صلاة الجمعة واجبة؟
في الأصول تبحث: هل الخبر الواحد حجة؟ هل الأمر يدل على الوجوب؟
النكتة الأولى: مشكلة "الموضوع الواحد" في علم الأصول
ما المشكلة؟ العلوم (بالمعنى الفني الدقيق) يجب أن يكون لها موضوع واحد تترتب عليه كل مسائل العلم. مثلًا: الطب موضوعه: جسم الإنسان.
النحو موضوعه: الكلمة العربية من حيث الإعراب.
لكن علم الأصول لا يملك موضوعًا واحدًا:
يبحث في اللفظ (مثل: الأمر والنهي).
ويبحث في العقل (مثل: الملازمة بين الحكم العقلي والشرعي).
ويبحث في السيرة العقلائية.
ويبحث في القياس والاستصحاب إلخ...
هذا التعدد في موضوعات البحث يُظهر أن علم الأصول لا يملك موضوعًا موحدًا، مما يطرح سؤالًا: هل يمكن اعتباره علمًا بالمعنى المصطلح الدقيق؟
إذا لا يوجد موضوع موحد وعليه لا يوجد منهج موحد.
ولا يمكن تمييزه عن غيره بالموضوع, بل ربما يجب البحث عن معيار آخر للتمييز.
النكتة الثانية: التمايز بالأغراض لا بالموضوع
هنا يأتي الجواب كما أشار إليه السيد الحيدري والمحقق الطوسي:
إذا لم يكن هناك موضوع موحد، فربما يمكن تمييز العلم بـالغرض الذي يجمع هذه المسائل المتعددة.
الغرض في علم الأصول: خدمة علم الفقه واستنباط الأحكام الشرعية.
وهكذا تصبح المسائل المتفرقة في الأصول موحدة ضمن غرض محدد، وهو: تكوين أدوات وقواعد لاستنباط الحكم الشرعي.
إن المبادئ التصورية الداخلية هي التي تُبنى عليها المعرفة ذاتها، وتعمل كأُسس عقلية أولية (كهوية الأشياء، مبدأ عدم التناقض، السببية...).
وهذه الفكرة تُستخدم هنا لفهم فلسفة علم الأصول:
فعلم الأصول ليس مجرد تجميع مسائل، بل يستند إلى تصور نظري سابق عن المعرفة، والاستدلال، والعقل، والدين... أي أنه مبني على مبادئ تصورية داخلية تتعلق بكيفية فهم النصوص، والعقل، والدلالة.
المطلب الثاني: عناصر فلسفة العلوم الإسلامية:
مما تجدر ملاحظته، أن البحث والاهتمام بفلسفة العلم عبر التاريخ يخلق تراكما معرفيا، من شأنه أن يدخل تلك المباحث في العلم بنحو تدريجي، وحسب قول هايدجر ان العلم لا يفكر في ذاته، وفلسفة العلم هي من تتولى ذلك، لكن الحال يختلف مع مرور الوقت، اذ يهتم في المتخصصون ولو بنحووتدريجي بما يطرحه فلسفة العلم من تساؤلات واجابات، وشيئا فشيئا تدخل تلك المسائل لتوسع من نطاقة العلم، وفي العلوم الاسلامية أمثلة كثيرة على ذلك، فمداخل الشريعة تتضمن تاريخ التشريع وتقسيم المذاهب وتصنيف المعرفة، وهو ما لم يبحثه العلماء في السابق، واليوم أصبحت تلك المباحث جزءاً من دراسة علوم الشريعة, والدراسات السابقة في مجال فلسفة العلم ركزت كثيرا على المناهج مثل الاستنباط والاستقراء فضلا عن مناهج البحث الفرعية (التحليل والمقارنة ..), وهنا أود التركيز مساحة تكاد تكون مهملة أو متداخلة مع علم المنهج, وأزعم أنها تؤثر وتتأثر بكثير من مسائل فلسفة العلم, وذهب فلاسفة المذهب الوضعي الى تسمية (علم العلم) وبحثوا جوانب ثلاث :
الاول: تاريخ العلم
الثاني: سيسولوجيا العلم والجماعة العلمية
الثالث: سيكولوجية العلم، وعلم النفس المعرفي.
1. تاريخ العلم: يبحث في تطور المعرفة العلمية عبر العصور، وديناميكيات التغير في النظريات والمناهج، وتأثير العوامل الثقافية والاجتماعية على نمو العلم. يمكن أن نجد أمثلة على ذلك في أعمال كون (Thomas Kuhn) حول الثورات العلمية ونماذج التحول في العلم.
2. سوسيولوجيا العلم والجماعة العلمية: يدرس هذا الجانب التفاعل بين العلماء كمجتمع، والبُنى المؤسسية التي تؤثر في إنتاج المعرفة العلمية، مثل الجامعات والمجلات العلمية والمراكز البحثية. كما يناقش كيف تتأثر الجماعة العلمية بالسياسة والاقتصاد والأيديولوجيا، كما ظهر في دراسات روبرت ميرتون (Robert Merton) حول أخلاقيات المجتمع العلمي.
3. سيكولوجية العلم وعلم النفس المعرفي: يتناول العمليات الذهنية والإدراكية التي تؤدي إلى الاكتشافات العلمية، مثل الإبداع، الحدس، الاستدلال، واتخاذ القرار. يدرس أيضًا كيف يبني العلماء قناعاتهم وكيف يتعاملون مع المعلومات الجديدة أو المتناقضة، وهو ما تطرق إليه علم النفس المعرفي الحديث في دراسات حول التحيزات الإدراكية وأساليب التفكير العلمي.
إن هذه العناصر الثلاث تعد من الامتدادات المعرفية لفلسفة العلم في العصر الحديث, وهي ضرورية ولها أبعادها في فلسفة العلوم الشرعية, فتاريخ العلوم الشرعية له دوره الكبير في بيان الأطر والأرضيات المعرفية التي بنيت عليها المعرفة داخل العلم, كذلك دراسة المجتمع العلمي واختلاف البيئات العلمية, وتصنيف المشتغلين في العلم على مستويات, كما الحال في الفقهاء والمجتهدين, وطلبة العلم المتفاوتين ايضا..
وبالنظر إلى ممارسة التفلسف حول العلم بأبعاد الفلسفة الثلاثة يمكن تقرير:
1. فلسفة الوجود وأثرها في تحديد هوية العلم وعلة وجوده, فضلا عن الحقاق التي يتم إثباتها, إذ تركز هذه الجهة على الأسئلة الوجودية التي تتعلق بماهية الواقع العلمي ومكانة العلم في تفسيره.
2. فلسفة المعرفة, وهي التي تصدرت المشهد, فأخذت على عاتقها البحث في مصادر ومناهج المعرفة العلمية, و كيفية حصول العلم على المعرفة وما هي الطرق والمناهج التي يتبعها, مثل التجربة والملاحظة، والحدس، والتحليل الرياضي والمنطقي في بناء المعرفة, وما يتعلق بالنقد والتحقق, واخبار اليقين والبرهان.
3. فلسفة العلم من حيث القيم وتأثيرها في الواقع العلمي, إذ يتناول هذا الجانب العلاقة بين العلم والقيم الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، مما يؤثر على توجهات البحث العلمي وإنتاج المعرفة, وضمان تحقيق تلك القيم في ما تؤول إليه البحوث والاستدلالات في العلوم الشرعية.
الفرع الاول: التحليل المنهجي للعلوم الشرعية:
يمكن ملاحظة أن العلوم الشرعية في بناءها المعرفي تتكون من:
أولا: الوقائع والمعطيات: وهي الأرضيات المعرفية التي تتضمن القبليات, وما يمكن ان يساوق المبادئ التصورية والتصديقية للعلوم, ومنها المفاهيم القبلية التي توجه مسائل العلم : إن لدى المنهج العلمي قبلياته المنضبطة فضلاً عن غير المنضبطة، والحال ذاته ينطبق على مسألة الفهم الديني، اذ يستحيل ان يقام الفهم من غير قبليات منضبطة تحكمه, فللقبليات أنواع واصناف مختلفة يتقوم بها الفهم، مثلما يتقوم بها الادراك والعلم، كالذي عرضناه في دراسة مستقلة, ومن حيث الاساس تنقسم القبليات الى قبليات صورية وتصديقية، كما تنقسم الاخيرة الى قبليات منضبطة وغير منضبطة , ويشير يحيى محمد هنا إلى ما يقارب المبادئ التصورية والتصديقية لكن بشيء من التفصيل والاضافة, وملاحظة ما هو منضبط منها وماليس بمنضبط.
ان القبليات المنضبطة هي التي تمت صياغتها بنحو علمي منهجي, مثل القبليات الفلسفية او المنطقية كالدلالات واقسامها, أو العلاقات بين المفاهيم من حيث العموم والخصوص, والقبليات غير المنضبطة هي التي تنشأ في بيئة أو سياق قديكون مذهبيا أو مدرسيا, كما في قاعدة (الرشد في خلافهم), والتي لا تستند إلى اساس علمي منضبط, بقدر ما تعبر عن انتقاء عقائدي قد يصح البناء عليها أحيانا.
ثانيا: المفاهيم: وهي التصورات التي تنشأ في بدايات تأسيس العلم, وتمثل النواة الأساس في بنيته وتطوره, وهي على مستويات ثلاث:
المستوى التفسيري: المفاهيم التي تتمثل بالمصطلحات وايضاحها, وبيان موضوعات أحكام الفقه, ومفردات القرآن الكريم, والحديث الشريف, ومصطلحات علوم القرآن ومصطلح الحديث, وكل ما يمكن أن يخضع للتفسير والايضاح والبيان.
المستوى الموجه: المفاهيم التي توجه التفكير العلمي, من حيث توفر مرحلة التفسير والتوجيه, مثل أسباب النزول وعلل الأحكام ومقاصدها والحكم منها, والسياق والقرائن الحالية واللفظية, واغلب الاستدلالات التي يجريها الفقيه والأصولي والمفسر, وأمثالها, مما لا يصل إلى مرحلة القاعدة, لكنه يؤثر بنحو فاعل في مسار التفكير العلمي.
المستوى التقويمي النقدي: مثل الترجيح, والمقارنة, والنقض, ونقد الأدلة, ومناقشتها, وكل ما يتضمن النقد والتعديل أو التصحيح.
ثالثا: القواعد والمعايير: وهي الضوابط التي تنشأ لتنظيم العلاقات بين المفاهيم نفسها من جهة, والمفاهيم وموضوعاتها في الواقع الخارجي من جهة أخرى, كما في القواعد الفقهية, والقواعد التفسيرية والأصولية وقواعد علم الحديث والرجال.
رابعا: النظريات: وهي مساحة أوسع من المعاير تتضمن رؤى كلية متكاملة حول موضوع محدد.
على مستوى الفقه الاسلامي عرفت النظرية بالنظريات الفقهية الأساسية تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى، التي يؤلف كلٌّ منها على حِدَة نظامًا حقوقيًّا موضوعيًّا منبثًّا في الفقه الإسلامي، كانبثاثِ الجملة العصبيَّة في نواحي الجسم الإنساني، وتَحكُّم عناصر ذلك النظام في كل ما يتصل بموضوعه من شُعَبِ الأحكام، وذلك كفكرة الملكيَّة وأسبابِها، وفكرة العقد وقواعده ونتائجه، وفكرة الأهلِيَّة وأنواعها، ومراحلها وعوارضها، وفكرة النِّيابة وأقْسامها، وفكرة البُطلان والفساد والتوقُّف، وفكرة التعليق والتقييد والإضافة في التصرف القولي، وفكرة الضمان وأسبابه وأنواعه، وفكرة العرف وسلطانه على تحديد الالتزامات، إلى غير ذلك من النظريات الكبرى، التي يقوم على أساسها صرحُ الفقه بكامله، ويصادف أثر سلطانها في حلول جميع المسائل و الحوادث الفقهية(1), وعلى مستوى الأصول مثل نظرية الأصل العملي, ونظريات علوم الحديث والرجال, ونظريات التأويل اللسانية الحديثة التي تدخل في تفسير النصوص الدينية.
الفرع الثاني: الخارطة الذهنية لعناصر العلوم الشرعية
إن الفرز في الجدول أدناه, يعد تصورا أوليا, يحاول تشكيل خارطة ذهنية يؤسس من خلالها, بناء فلسفة العلم والمنهج, في العلوم الشرعية, والجدول في أدناه يتضمن مستويات ثلاث: المفاهيم والقواعد والنظريات, على أن مساحات التداخل فيما بينها وراد بالتأكيد, بحسب زوايا النظر والاعتبار, إذ يعد تصور وإدراك المفاهيم نسبيا في إطار العلاقات بين المفاهيم.
العنصر/العلم الفقه أصول الفقه علم الكلام علم التفسير علم الحديث
🔹 المفاهيم - الحكم الشرعي
- الواجب / الحرام
- العلة الشرعية - الحجية
- الدلالة
- الأمارة, الاصل - التوحيد
- النبوة
- العدل الإلهي - المحكم والمتشابه
- التأويل
- النسخ - الحديث الصحيح
- المتن
- الإسناد
🔹 القواعد - لا ضرر ولا ضرار
- قاعدة: اليقين لا يُزول بالشك - الأمر يدل على الوجوب
- قاعدة حجية خبر الواحد - امتناع التسلسل
- قاعدة اللطف
- نفي الجبر - تفسير القرآن بالقرآن
- حمل العام على الخاص - الجرح والتعديل
- اتصال السند
🔹 النظريات - نظرية الحق
- الاحتياط بالدماء
- نظرية المصلحة نظرية الاصل العملي, الاجزاء,
حجية الظن المعتبر
- الحسن والقبح العقليان
- نظرية الإمامة - الوحدة الموضوعية
- التدبر الموضوعي للقرآن الوثوق, الوثاقة,
النقد المتني والسندي
وعلى سبيل المثال وتقريب الصورة يمكن عد بعض المفاهيم في أصول الفقه:
ومن ضمنها المفاتيح التي تُستخدم لتحليل النصوص، مثل "الظهور"، "القطيع"، "الظن"، "البراءة"، "الحجية".
والقواعد التي تُستخدم لتحديد كيفية التعامل مع النصوص الشرعية:
مثال: "الأمر يدل على الوجوب"، "النهي يدل على الفساد"، "الاستصحاب حجة".
والنظريات, التي تعد منظومات تفسيرية تبني منهجًا لاستنباط الأحكام، مثل:
نظرية الدليل (الحجية، التوثيق، المقدمات)
نظرية الظن (منهج التعامل مع المظنونات)
نظرية الاصل العملي (منهج تحديد الموقف في حال الشك).
الفرع الثالث: التعريف بالبرادايم (Paradigm) وتطبيقه في العلوم الشرعية:
يُعدّ مصطلح "البرادايم" (Paradigm) من المفاهيم المركزية في فلسفة العلم الحديثة، وقد رسّخه الفيلسوف الأمريكي توماس كون (Thomas Kuhn) في كتابه الشهير "بنية الثورات العلمية", وقد عرّف كون البرادايم بأنه: (مجموعة من المعتقدات والقيم والتقنيات التي يتقاسمها أعضاء مجتمع علمي معين، وتعمل كأنموذج إرشادي لفهم الظواهر، وحل المشكلات، وبناء النظرية العلمية) , في هذا السياق، يُفهم البرادايم على أنه لا يقتصر على النظريات العلمية فحسب، بل يشمل أيضًا ما يُعرف بـ "البنية المعرفية" التي يتأسس عليها فهم الباحثين للواقع.
تطبيق مفهوم البرادايم على العلوم الشرعية:
عند محاولة توظيف مفهوم البرادايم في العلوم الشرعية، يُمكننا إعادة صياغته على النحو الآتي:
"البرادايم في العلوم الشرعية هو الإطار المرجعي الكلّي الذي يوجّه عملية الفهم، والتفسير، والاجتهاد، وبناء المواقف الشرعية، ويحدد أفق التعامل مع النصوص الدينية (القرآن، السنة)، ومع مصادر التشريع الأخرى (العقل، الإجماع، المقاصد..)."
وقد أشار بعض الباحثين الإسلاميين إلى أهمية هذا المفهوم في نقد البنية التقليدية للعلوم الشرعية، ومنهم:
طه عبد الرحمن في مشروعه حول "تجديد المنهج"، حيث يؤكد على ضرورة تغيير النموذج المعرفي لا مجرد الأدوات .
محمد عابد الجابري في حديثه عن العقل الفقهي وضرورة تجاوز برادايم "البيان" باتجاه "البرهان" و"العرفان" , وعبد المجيد الشرفي في تناوله لتاريخية النص وفهمه في ضوء تحولات البرادايم الفقهي , وربما يستدعي كل منهم إلى دراسة مستقلة.
يرى المفكرون المعاصرون أن تاريخ العلم لا يمكن فهمه بوصفه تقدمًا خطيًا متراكبًا فقط، بل هو أشبه بسلسلة من الثورات المعرفية التي تنقلب فيها المفاهيم والمناهج والبُنى التفسيرية رأسًا على عقب.
ويُعدّ توماس كون من أبرز من بلوروا هذا التصور، عبر مفهومه "النموذج الإرشادي" (Paradigm)، الذي يُشكل بمثابة عقل جمعي يتحكم في ما يعتبره المجتمع العلمي حقيقة، وما لا يعتبره كذلك .
وفقًا لهذا النموذج، يمر العلم بمراحل:
مرحلة ما قبل البرادايم: فوضى وتعدد نظريات.
العلم المألوف: استقرار نموذج تفسيري.
الأزمة: بروز شروخ في النموذج.
الثورة العلمية: انبثاق نموذج جديد.
ويمكن تطبيق ذلك على العلوم الشرعية, ومثال من أصول الفقه عبر مراحل قياسا على النموذج السابق في أعلاه يمكن وصفها على:
1- مرحلة ما قبل البرادايم, توافر النصوص في عصر النبي (ص), والتداول غير المنظم في علوم مصنفة.
2- المرحلة التقليدية (البرادايم النصي): حيث كانت مدرسة أصول الفقه الكلاسيكية – خاصة عند الشافعي والجويني والغزالي – تشتغل تحت نموذج تفسيري لغوي – نصي – اجتهادي فردي, والمفاهيم مثل: الأمر، النهي، العام، الخاص، تعارض الأدلة, والمنهج: استنباط الحكم من النص عبر قواعد ثابتة.
3- مرحلة الأزمة:
بدأت مع دخول المتغيرات الاجتماعية والسياسية الكبرى، مثل: تناهي النصوص وتجدد الوقائع, وما لا نص فيه, والحداثة، الدولة، العولمة, فظهرت إشكاليات في قدرة الأصول الكلاسيكية على الإجابة عن قضايا الواقع.
4- الثورة البرادايمية, (مواقف الاستجابة) وقد برزت مشاريع تجديدية مثل: نظرية الأصل العملي عند الإمامية (جهد الشيخ الأنصاري) نظرية المقاصد عند الشاطبي ثم الطاهر بن عاشور, النموذج الوظيفي عند طه عبد الرحمن, النسق المعرفي المقارن عند الشهيد محمد باقر الصدر في "الأسس المنطقية للاستقراء".
تأتي أهمية الحديث عن فكرة البرادايم، من خلال كونه يخلق وعيا شاملا وعاما حول المسار والعلم وطبيعة تشكل قضاياهم.